اللغة هي معجزة الفكر الكبرى ، وراء كونها عربية أو إنجليزية أو إندونيسية أو صينية هي ظاهرة فكرية عضوية خاصة بالإنسان دون غيره من الكائنات الحية ، فهي صفة مميزة للنوع البشري. فالأمة حية بحياة لغتها، و الحياة تطور دائم و نمو مستمر ، تقدم لا يعرف الوقوف. فاللغة التي تسايره دائمة التطور أيضا و تكون صورة صادقة لحضارته.
اختلاط الناس بعضهم ببعض ، و وجود عناصر بشرية جديدة التي تدخل على مجموعة مستقرة فتؤثر في نطقها، و الهجرة الجماعية من البيئة الأصلية إلى أمصار بعيدة أخرى، و تعاقب الزمان و الأجيال مع وجود الفارق في دقة التلقي عن طريق السمع و عن طريق المحاكاة بين الأبناء و أبائهم، كل ذلك يحدث عاهات عميقة في شكل اللغة بل يظهر فيها لهجات تتنوع و تنفصل عن اللغة الأم مثل ظاهرة التوسع في قياس النحو و ظاهرة الابتداع في اللغة ، و نقل اللفظ إلى معنى جديد.
يحدث التوسع في القياس النحوي وهو كمثل إجراء حركات الإعراب على المضاف في اللغة العربية نحو هذا كتابُ زيد ( بضم الباء) و قرأت كتابَ زيد (بفتح الباء) و نظرت إلى كتابِ زيد (بكسر الباء). هذا الإعراب لم يكن على الأرجح إلا استمرار في عملية آلية وهي تغيير الحركة في آخر الكلمة بتغير التراكيب. ومازال نحاة العرب يقولون صراحة أن المضاف و المضاف إليه في حكم اللفظ الواحد. و قد عثر على نقش في جزيرة العرب يرجع إلى عهد الرسول وقد وردت في صيغة “على بن أبو طالب” ذكره كراوس و حميد الله في كتابها ” وثائق سياسية من عهد النبوة و الخلفاء الراشدين” ،اعتمادا على ذلك أصبح النحاة أشاروا إلى نوع آخر من التوسع الآلي في القياس النحوي يسمونه الإعراب على المجاورة، كقولهم : هذا جحر ضبٍ خربٍ، بجرّ خرب لمجاورتها لضب مع أنها صفة لجحر المرفوعة.
ونوع الثاني من التطور الغوي حدوث الألفاظ المبتدعة نأخذ مثالا كلمة ” المئذنة ” أصل المادة التي جاءت منها هذه الكلمة هو الأذن، وهو عضو السمع المعروف و الأذان في الأصل هو الإعلان و الإعلام. فأطلقت كلمة المئذنة لموضع الأذان للصلاة، أو المنارة، كما في الصحاح. قال حسن ظاظا في كتابه اللسان و الإنسان أنه لم يوجد شاهد على معرفة العرب بهذه الكلمة لا في الجاهلية و لا في صدر الإسلام. أصبحت هذه الكلمة تأخذ مكانها في المعجم العربي لشدة ارتباطها بالنمط الفكري و الحضاري للأمة الإسلامية.
و من الألفاظ المنقولة إلى معنى جديد هو كلمة القطار. معنى القطار عند العرب هو مجموعة من الجمال يسير الواحد منها وراء الآخر، وقد قرب بعضها إلى بعض، يقال جاءت الإبل قطارا بالكسر أي مقطورة. و قد استعملت كلمة القطار لكل سرب من الكائنات الحية التي يسير الواحد منهم وراء الآخر، حتى قيل قطار النمل. ثم نقل اللفظ في العصر الحديث للدلالة على الصفّ من مركبات السكة الحديد المربوطة بعضها في بعض و المقطورة بقاطرة. أخيرا أنّ التوسع النحوي و ظاهرة الابتداع كذا نقل المعنى الجديد ، إن هي إلا مظاهر لتطور حيوي في اللغة على ألسنة الناطقين. و هو أمر لا مفر منه مع تعقد حياة البشر و تقدم الحضارة.

Comments are disabled.