بقلم: محمد زواوي

قال الله تعالى -إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون- إنّ اختلاف الإنسان والحيوان يقع في وجود العقل وعدمه. فالإنسان لديه عقل منحه الله تعالى فضلا عن سائر المخلوقات. فوظيفة العقل تحرك وتقلّب التفاكير إلى ما يناسب مع الحالة المنطقية والمعقولة عند الناس. ومن استخدم عقله استخداما صحيحا لن يضل الطريق الحق المرضيّ وبالعكس من غلبته نفسه فيضل الطريق ضلالا بعيدا. وكما عرفنا أن الحياة الدنيا منافسة ومسابقة يحتاج الناس إلى تفكير الإستراتيجية للوصول إلى الفوز والنجاح في تلك المنافسة. ومن تأخّر في تفكير الاستراتيجية للفوز والنجاح فيها لن يحصل على الفوز لأن الآخر قد سبقه في الوصول إلى النجاح.

                وأما الحيوان فهو مخلوق يشبه الإنسان جسميا لا عقليا. فإن الحيوان يملك أعضاء الجسم كما يملكه الإنسان وبل هناك حيوان لديه عضو جسمي أكثر وأقوى من الإنسان مثل البقر والفيل والأسد فإنها تملك أربعة أرجل وأقوى من رجلي الإنسان. ولكنها لاتستطيع أن تفكّر وتخطط قتل الإنسان تخطيطا منظما. ولذلك البقر لاتستطيع أن تجازي عمل الطفل الصغير الذي ضربها ضربا قويا حينما يريدها أن يحرث الأرض. وبالعكس أن الطفل الصغير يحاول أن يجازي عمل الحيوان الذي آذاه. وإذا لاينجح الطفل في المحاولة الأولى سيخطط تخطيطا ناضجا للمحاولة الثانية والثالثة حتى يستطيع أن يجازي عمل الحيوان. وهكذا هو يحاول ويفكر ويخطط في مجازاة عمل الحيوان الشرير.

                ومن هذه العبارة أصبح الفرق بين الإنسان والحيوان واضحا، فإن الإنسان يتفكر وأما الحيوان فلايتفكر. وأن طبيعة الإنسان مفكر ومخطط ومحاول، ولذلك يجب على أي أحد أن يحافظ فطرته وطبيعته الشريفة. وطريقة من الطرائق التي تساعد الإنسان محافظة فطرته تعلّم اللغة العربية. فالتعلم محاولة الإنسان إلى تغيير حاله من الجهالة إلى المعرفة. وفي عملية التعلّم يحتاج الناس إلى تحريك العقل لكي يصل إلى هدف التعلم. إذن أن تعلّمَ أي علم من العلوم عملية التفكير والتفكر، ولذلك من تعريف هذا التعلّم أن إجراء تعلم هو عملية التفكير ولو كان غير تعلّم اللغة العربية. ولكن خصية من خصائص اللغة العربية تجعل الإنسان يتفكر وخاصة حينما يقرأ الإنسان النصوص العربية من غير الحركات.

                وعلى سبيل المثال كلمة كتب بدون الشكل. حينما تقع هذه الكلمة في الجملة يمكن أن تكون قراءتها كَتَبَ وإما أن تكون كُتِبَ وإما أن تكون كُتُبٌ. وفي أثناء تحديد الحركة المعينة في تلك الكلمة يحتاج القارئ إلى التفكير العميق لكي يصل إلى قراءة صحيحة مناسبة مع سياق الجملة. هذا المثال من الكلمة التي تتكون من ثلاثة أحرف فحسب مع أنّ هناك كلماتٌ عربيّة تتكون من أربعة أحرف أوخمسة أحرف. وفي قراءة الكلمات العربية التي تتكون من أربعة أو خمسة أحرف طبعا صار القارئ في حاجة ماسة إلى بذل الجهد والاجتهاد في تحديد الحركات المناسبة مع سياق الجملة من تلك الكلمة.

                ولذلك إذا قرأ الإنسان النصوص العربية التي كلماتها تتكوّن من ثلاثة أو أربعة أوخمسة أحرف. وكل كلمة منها لديها إمكانيات في القراءة ويمكن أن تكون تلك الإمكانيات أكثر من ثلاث أو خمس. وإذا كانت في الكلمة الواحدة لديها ثلاث إمكانيات لابد على القارئ أن يجد تلك الثلاثة ويختار أنسب الإمكانيات، وإذا أخطأ في الإمكانية الأولى يجرب الإمكانية الثانية أو الثالثة أو الرابعة وهكذا حتى يجد إمكانية القراءة المناسبة مع سياق الجملة. وهذه العملية في القراءة العربية تجعل الإنسان يفكر ويحرك عقله لإيجاد القراءة الصحيحة لكل الكلمات العربية. وإذا كانت اللغة العربية تجعل الإنسان يفكر فهي تجعل الإنسان يعمل حسب طبيعته وفطرته كالإنسان ولذلك صارت العربية تجعل الإنسان إنسانا. والله أعلم

Comments are disabled.