Untitled-3إعداد: محمد سعيد

لقد ظهر دور التحليل التقابلي بصـورة علمية في الأربعينات من القرن الميلادي, وكان من رواد هذا الأسلوب في اختيار المادة اللغوية لإعداد الكتب التعليمية الأستاذ فريز ولادو في عام 1945. وقد ذكر أن من أهم فوائد التحليل التقابلي الانتفاع به في مجال إعداد المواد التعليمية هو مقارنة اللغة والثقافة الأصليتين (للدارس) باللغة والثقافة الأجنبيتين، وقد أدت الدعوة إلى ضرورة التحليل التقابلي لإعداد المواد التعليمية وتدريس اللغات الأجنبية إلى عدد لا يستهان به من الدراسات التقابلية بين اللغات المختلفة، ولكنه ربما يوجد أن فوائد التحليل التقابلي تظهر بوضوح في مجال الأصوات حيث يظهر الأثر القوي للعادة، بينما يقل في عناصر اللغة الأخرى حيث يلعب الإدراك والتفكير دوراً أكبر في تعليمها.

يقوم علم اللغة التقابلي بالمقارنة بين لغتين أو أكثر من عائلة لغوية واحدة أو عائلات لغوية مختلفة بـهدف تيسير المشكلات العملية التي تنشأ عند التقاء هذه اللغات كالترجمة وتعليم اللغات الأجنبية. ويفضل علم اللغة التطبيقي مصطلح التحليل التقابلي، بدلا من علم اللغة التقابلي؛ إذ المقصود هنا تحليل لغوي يجري على اللغة التي هي موضع التعليم واللغة الأولى للمتعلم.

ومن الحقائق المقررة أنّ أوجها مشتركة تجمع اللغات جميعها, وهي التي يسعى العلماء الآن إلى بحثها فيما يعرف “بالكليات اللغوية”. على أنه من الحقائق المقررة أيضا أن اللغات تختلف فيما بينها من حيث البنية على المستويات اللغوية جميعا؛ إذ الاختلاف موجود في الأصوات، وفي الكلمة، وفي الجملة، وفي المعجم.

ويهدف التحليل التقابلي إلى ثلاثة أهداف وهي فحص أوجه الاختلاف والتشابه بين اللغات، التنبؤ بالمشكلات التي تنشأ عند تعليم لغة أجنبية ومحاولة تفسير هذه المشكلات، الإسهام في تطوير مواد دراسية لتعليم اللغة الأجنبية

ورغم ما يبديه بعض الباحثين من تحفظ على هذا المبدأ فإنّ التحليل التقابلي أثبت نفعاً حقيقياً في تطوير المواد الدراسية في تعليم اللغة الأجنبية , وقد يزعم هنا أن التحليل التقابلي نافع أيضاً في تعليم اللغة لأبنائها ؛ إذ ثبت بالتجربة العملية أن كثيراً من الظواهر اللغوية في العربية تكون أكثر وضوحاً حين تعرض على الدرس التقابلي , ومن هنا يصبح الإدراك لطبيعة الظاهرة إدراكا أكثر علمية من الفهم لبعض الجوانب المشتركة في قدرة التعليم حين تتلقى هذه الظاهرة, ويثمر ذلك رؤية أفضل نحو تطوير المواد الدراسية لتعليم اللغة الأولى.

منذ النصف الثاني من الستينات بدأت تظهر الدراسات المعارضة أو المتحفظة حول قيمة التحليل التقابلي في مجال تدريس اللغات وإعداد المواد التعليمية لها فيوجد بعض ممن لا يرون كبير فائدة ترجى من التحليل التقابلي ومنهم من يرى أن التحليل التقابلي مفيد ولكن لا بد للدارسين من استكمال نتائجه والتحقق منها عن طريق تحليل الأخطاء. ويرى عادة دعاة تحليل الأخطاء أن كثيراً من الصعوبات التي يتنبؤ بها التحليل التقابلي لا تثبت صعوبتها أثناء التعليم الفعلي للغة من جهة.

وتحليل الأخطاء مصطلح آخر يستخدمه علم اللغة التطبيقي في تعليم اللغة, وهو الخطوة التالية للتحليل التقابلي , ولعله ثمرة من ثمراته , لكنه يختلف عنه وعن المقارنة الداخلية في أنهما يدرسان اللغة, أما هو فيدرس لغة المتعلم نفسه, لا تُقصَد لغته الأولى وإنما تُقصَد لغته التي ينتجها وهو يتعلم والذي لاشك فيه أنهم جميعاً يخطئون عند التعلم للغة وعند استعمالهم لها , ومن ثمّ فإنّ درس الخطأ أمر مشروع في حد ذاته . يجري تحليل الخطأ عادة على مراحل: تحديد الأخطاء ووصفها، تفسير الأخطاء، تصويب الأخطاء

ومهما يكن من أمر فإن تحليل الأخطاء له فوائد نظرية وأخرى عملية؛ فعلى الجانب النظري يختبر تحليل الأخطاء نظرية علم اللغة النفسي في تأثير النقل من اللغة الأم , فتثبت صحتها أو خطأها, وهو يعد عنصرا مهما في دراسة تعلم اللغة , ثم إنّ تحليل الأخطاء يقدم إسهاماً طيباً عن الخصائص الكلية المشتركة في تعليم اللغة الأجنبية , وهو يكشف عن كثير من الكليات اللغوية .

وعلى الجانب العملي يعد تحليل الأخطاء عملاً مهماً جداً للمدرس , وهو عمل متواصل , يساعده على تغيير طريقته أو تطوير المادة , أو تعديل المحيط الذي يدرس فيه . ولكنّ أهميته الكبرى تكمن على المستوى الأعلى في التخطيط في المقررات الدراسية , والمقررات العلاجية , وإعادة التعليم, وتدريب المعلمين أثناء العمل. والله أعلم.

Comments are disabled.